الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 29 / مارس 11:01

ومن الحب ما .../ بقلم: أسيل منصور

كل العرب
نُشر: 04/10/15 21:29,  حُتلن: 21:35

توسطت المكان البائس لوحة مشرقة بالزيت

وبدا لي نفورها من الرائحة المنتشرة في زاوية من الصالة واضحا..كانت اللوحة كنشاز للصدى الموسيقي الكئيب الذي كان من الممكن أن تعزفه الحجرات المظلمة أم أن العكس كان صحيحا واللوحة كانت تُسمِع مقطوعة موسيقية طغت بإحكام على السكون الذي احتل المكان.

أطلت عجوز من المطبخ وهي تردد بصوت متقطع وأوداج منتفخة كان زمان حب ما في متلو بين الجيران واليوم ما عدنا شفنا لا حب ولا جيران.

كانت العجوز والتي اختمرت منديلا أبيضا يميل إلى اللون الأصفر من كثرة الترحال بين الحجرات ضريرة العينين ولهذا فهي لم تبصر اللوحة التي أضاءت المكان بألوان حية بهيجة متموجة بين الأحمر والأصفر ومزيجيهما..

توقفت العجوز على حين بغتة وقد تذكرت شيئا فساورتها قسوة الظلمة على أن لا تغير وجهتها وأن تتوجه كما نوت نحو الرائحة المتسربة من زاوية الصالة إلا أنها قاومتها وعادت أدراجها لتدخل إلى مخدعها حيث ترمي بجسدها كل ليلة عَل الدهر يصلح ما أفسد العمر وهناك وفي خضم الظلمتين اقتربت العجوز من خزانة صغيرة وفتحتها بيدي خبيرة وتوقفت يداها على قنينة عطر من زمن بعيد واحتضنتها بدفء ثم تركتها جانبا وتناولت علبة خضراء زمردية ناقض جمالها المنظر الذي تراءى من باب المخدع وبدا كأن العجوز تحاول أن تحارب الزمن الذي سلبها كل ما ملكت من جمال فيما مضى فتزيد من قوة إمساكها بالعلبة التي لم تكن سوى صندوق مجوهرات.

فتحت العجوز الصندوق وتحسست محتوياته ولم تبحث مطولا فقد كانت محتويات الصندوق قليلة وتناولت منه قلادة من فضة وأغلقت الصندوق وأعادته حيث كان وخرجت وهي تتحسس القلادة بيديها وتقبلها بفمها الذي أحاطته التجاعيد من كل حدب وصوب.

مضت العجوز نحو الزاوية التي تسربت منها الرائحة الكريهة ،تجاهلت وجودي واقتربت ببطء وبصمت مطبق إلى الكيس الملقى على أرضية المكان.

لقد أحضرتُ لك شيئا ..قالت
لم أدر من تخاطب هذه العجوز وبدأت أشكك بقدرتها العقلية .
ماذا لديكِ .قلت بهمس حتى لا أحطم رهبة المكان
إنها كل ما تتمنى أي امرأة على وجه المعمورة..
ابتسمت ُبسخرية ...أحقا؟! قلت وقد استعدت بذاكرتي رقم صديقة لي تعمل في مستشفى للأمراض العقلية تيقنت أني سأحتاجها
أتقصدين هذه القلادة ؟!سألتها بصوت أعلى
لا..أجابت وهرعت لأمسح رقم صديقتي من عقلي في الوقت الحاضر حتى أتأكد من صحة العجوز الذهنية فقد تكون تقصد شيئا آخر
أطالت العجوز الصمت وبدأت أفقد صبري
أنا في عجلة من أمري ..قلت لها بنبرة عصبية
لدي عمل أنجزه فهلا سنحت لي بإكماله..
نعم بشرط واحد ..
نفد صبري كلية وأردت أن أبعد العجوز عن الكيس وأنجز المهمة وأستريح لباقي اليوم ولكن دموعا ساخنة فاضت من عيني العجوز استوقفتني
هلا قلت ماتريدين ولننهي الامر.. طلبتُ بنبرة هادئة فلم أكن بقسوة الظلمة..
أن تحرقيها...
ما هي ؟صرخت رغما عني
لا أريد قلادتك اللعينة
ليست القلادة ..
إذن ماذا ؟
إنها الرسالة في القلادة ..
خطر ببالي طبعا أن تكون رسالة انتحار ولذلك تقدمت إلى العجوز وسحبت منها القلادة بعنف
وفتحت القالب الذي احتوى رسالة تماما كما قالت العجوز
وفي الرسالة كانت المفاجأة
عزيزتي:

إن كنت تقرأين الرسالة فهذا يعني أني لم أعد بين الأحياء وبأنّ ظلَّ كلمة ليت قد عجّ بالزمان ..
اعلمي أني أحببتك مُذ رأيتك وبأنني لم أحبّ غيرك
لا أعلم كيف سأتكيف لفكرة الموت فالموت عندي هو البعد عنك فهلا تبعت خطاي وأقبلت علي هنا وأعدك أني سأدلك على الطريق ..فلنكن معا حتى في الموت ..
أنهيت قراءة الرسالة بسرعة ونظرت للعجوز الضريرة وتعجبت من أن تكون قد علمت بمحتوى الرسالة وهي لم تبصر يوما في حياتها أيكون زوجها قد قرأ لها الرسالة قبل أن يفارق الحياة
ولم قالت انها أمنية كل امرأة على وجه المعمورة
وماذا بعد ؟!ناديتها
لم أسمع إجابتها فاقتربت إليها ولمستها لأجد أنها قد فارقت الحياة ..

بعد فحص بسيط في معهد التشريح اتضح أن العجوز قد ماتت لأسباب طبيعية وذلك بعد بضع ساعات مضت على موت زوجها ..
عدت إلى المنزل لأجمع أغراضي واستحوذت عليّ فكرة إنقاذ اللوحة من الموت المحقق الذي استولى على المكان ولكن الغريب في الأمر والداهية التي صعقتني هي أن ألوان اللوحة كانت قد اختلطت ببعضها فلم تعد تبصر ملامحا للوحة غير مزيج مكفهر من ألوان الزيت الداكنة.

خرجت من البيت مسرعة لعلمي بأنه قد مات رسميا  وعدت إلى سيارتي ووجدت الرسالة نفسها تطاردني أيطغى الحب على الدهر ؟! أيحيي الحب ظلمة بيت ،ألوان لوحة وروح انسانة؟!

تناولت الرسالة وقلبتها بسرعة وكأني أنتظر إجابة إلا أنها كانت ورقة صفراء نقشت عليها رموز من لغة بريل وتساءلت برعب عن مكان الكلمات التي قرأتها في يوم موت العجوزين ..قررت أن أحرقها ولكن الفضول اعتراني وقررت أن أستفسر عن محتوى الرسالة التي باتت لغزا محيرا بالنسبة لي بعد الفحص تُرجمت الرموز للكلمات التالية :

ومن الحب ما أحيا ومن الحب ما قتل ....

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net

مقالات متعلقة