الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 22:02

عهد جديد للسكري – المرض يمكن أن يتوقف/ بقلم: د.زهدي إغبارية

كل العرب
نُشر: 30/08/15 21:29,  حُتلن: 07:15

د. زهدي إغبارية في مقاله:

في الوسط العربي نسبة السمنة لدى النساء بعمر الـ50 هي ضعف النسبة في الوسط اليهودي

التناول الصحيح للطعام وممارسة النشاط الجسدي بوتيرة يومية لا يقلان أهمية عن العلاجات الدوائية التي يحتاج إليها مريض السكري

نسبة مرضى السكري في الوسط اليهودي تصل الى حوالي 8% ونسبة مرضى السكري في الوسط العربي تتزايد بشكل شبه ثابت في وتصل النسبة اليوم الى حوالي 12%

يوجد في اسرائيل حوالي 500 ألف شخص مُشخّصين كمرضى سكري في العام 2015، بينهم 140000 في الوسط العربي و500 ألف شخص في مرحلة ما قبل السكري. يقدّر الأخصائيون وجود حوالي 500 ألف مرضى إضافيين لم يتم تشخيصهم بعد. يطلق اليوم في العالم على مرض السكري اسم وباء القرن الـ21. وبينما تصل نسبة مرضى السكري في الوسط اليهودي الى حوالي 8% من إجمالي هذا الوسط، فإن نسبة مرضى السكري في الوسط العربي تتزايد بشكل شبه ثابت في وتصل النسبة اليوم الى حوالي 12% في الفئة العمرية 18-80.

إحدى المشاكل الصعبة والأساسية يمكن القول في مرض السكري هي تعديل السكر. يجب على مريض السكري الحفاظ على اسلوب حياة صحي، ممارسة النشاط الجسدي، اتباع برنامج غذائي خاص وصحيح، الحفاظ على وزن الجسم والتثقيف حول الصحة وذلك من اجل المساعدة في المحافظة على توازن لمستويات السكر في الدم. لكن الحفاظ على اسلوب حياة صحي فقط لن يقوم بعمله على المدى الطويل وهناك حاجة الى إضافة علاج دوائي. عندما ننظر عن قرب الى الوسط العربي، نجد أن العادات التربوية والمتبعة في الوسط والعادات الاجتماعية وأحيانًا الدينية المفهومة بشكل خاطئ لا تساعد على تحقيق هذا التوازن.

عادات الأكل في الوسط العربي تؤثر على ذلك، إذ أن الكثيرين يعانون من الوزن الزائد والسمنة. مثلاً عند المقارنة نجد أنه في الوسط العربي، نسبة السمنة لدى النساء بعمر الـ50 هي ضعف النسبة في الوسط اليهودي. لدى الرجال أيضًا هناك مستويات مرتفعة جدًا ممن يعانون من السمنة في الوسط العربي مقارنة بالوسط اليهودي. الاسباب الرئيسية لذلك هي نقص التوعية حول عادات الأكل الصحيحة، عادات الأكل التربوية التقليدية وانخفاض النشاط الجسدي في الوسط العربي مقارنة بالوسط اليهودي، بسبب البنى التحتية والتخطيط الخاطئ في القرى والمدن في الوسط العربي ولأسباب دينية خاصة لدى النساء وبسبب تغيّر طابع العمل من العمل الجسدي في الزراعة والبناء الى العمل بالرداء الأبيض.

نحن نستطيع أن نقول اليوم إن السكري هو مرض متعدد الأجهزة ومتعدد الأسباب. في البداية، يطوّر المريض مقاومة للأنسولين بسبب السمنة والوزن الزائد. مقاومة الأنسولين تؤدي الى عمل البنكرياس بشكل أصعب من أجل إنتاج الأنسولين. عندما يتأثر البنكرياس بسبب فرط العمل، يحدث موت سريع نسبيًا لخلايا بيتا مما يؤدي الى نقص في الأنسولين مع موت أكثر بطئًا لخلايا ألفا التي تنتج الغلوكوجين مع تفاوت في نسب الأنسولين الغلوكوجين؛ وتبدأ مستويات السكر في الدم بالارتفاع. النقص ومقاومة الأنسولين يؤديان الى ارتفاع مستويات الدهون في الدم، خاصة ارتفاع التريغليسيريد وانخفاض مستويات كولسترول HDL، أكثر من ثلثي مرضى السكري من النوع 2 يعانون من فرط في ضغط الدم، وعوامل الخطر هذه تزيد من خطر الأمراض والوفاة الوعائية القلبية.

اليوم، عندما يحضر الى طبيب العائلة مريض سكري جديد، أو كما يُوصف عادة بـ"المريض الساذج"، يتم عادةً التعامل معه على أساس الشمولية ومراقبة كافة أنطمة الجسم.لا يجب عليه فقط أن يخفّض مستويات السكر في الدم، معدّلHA1c لديه. عادةً يحتاج الطبيب أيضًا الى تعديل ضغط الدم، تعديل مستويات الدهون في الدم، إلخ. حتى أن الطبيب ينصح المريض عادةً بتغيير أسلوب حياته من خلال ممارسة النشاط الجسدي، برنامج غذائي صحيح، توصية حول الوزن السليم وتثقيفه حول الصحة.عادةً وبحسب نتائج مستويات السكر في الدم، يصف الطبيب علاج دوائي أوّلي مثل ميتفورمين (مادة فعالة في دواء يومي يؤخذ عن طريق الفم)، حتى أنه يُضيف لاحقًا دمجًا مع علاجات إضافية على شكل أقراص أو حقن بحسب قرار الطبيب بعد موافقة المريض وبحسب وضع السكري لدى المريض وعمره وسنوات معاناته من السكري والهيموغلوبين السكري وأمراض الخلفية المرافقة وخطر الهيبوغليكيميا والوزن وكتلة جسم المريض ووضعه الاجتماعي-الاقتصادي واستعداد المريض لإحداث التوازن.

إجراء التثقيف والتوعية حول الحياة المتوازنة والصحية هو مهم وواضح، لكن التقاليد والثقافة لا تتغيّر في يوم واحد. التناول الصحيح للطعام وممارسة النشاط الجسدي بوتيرة يومية لا يقلان أهمية عن العلاجات الدوائية التي يحتاج إليها مريض السكري. أهمية العلاج الصحيح في الخط الأول في الوسط العربي مرتفعة جدًا وذلك بسبب معطيات الارتفاع المقلقة للسكري في هذا الوسط.

يملك أطباء العائلة اليوم "أدوات جديدة" لم تكن متوفرة مؤخرًا.
على سبيل المثال، وصلت الى اسرائيل منذ فترة ليست بعيدة مجموعة علاجية جديدة تُدعى معيقاتSGLT2المخصصة لعلاج السكري نوع 2 في هذه المرحلة. يوجد اليوم في اسرائيل من هذه المجموعة دواءً واحدًا يُدعى "فورسيغا"وستصل أدوية أخرى لاحقًا. الدواء ملائم لمن لديه أداء كلوي سليم الى متوسط(GFRأكثر من60) ويرتكز في عمله على الجهاز الكلوي. بواسطة قرص فموي (عن طريق الفم) مرة في اليوم، بغض النظر عن الصوم أو وقت الوجبة، يقوم الدواء بالتخلص من السكر الزائد عن طريق البول.يمكن لطبيب العائلة أن يصف الدواء الذي يعمل على مستوى عدة أجهزة للمرض: بالإضافة الى تخفيف مستويات السكر في الدم بشكل فوري، يقوم الدواء أيضًا بتخفيض مستوى ضغط الدم، حتى أنه يساعد على خسارة الوزن (حوالي 3 كلغ في المعدّل) وتخفيض التريغليسيريد وزيادة كولسترولHDL. بالنسبة الى الوسط العربي، الذي لا يمارس ما يكفي من النشاط الجسدي، لا يحافظ على برنامج غذائي صحيح ويعاني بشكل كبير من الوزن الزائد، هذا الدواء هو الحل المثالي للخط الأول ويستطيع حتى أن يوفّر على المرضى زيارة أخصائي السكري والبقاء قيد العلاج لدى طبيب العائلة. في حالات معينة قد يستبدل الدواء الحقن كما يمكن إعطاؤه بالدمج مع أدوية إضافية. فائدة مهمة أخرى هي أن الدواء لا يُسبّب الهيبوغليكيميا (الذي قد يتسبب بها الأنسولين وسولفونيلوريا).

إحدى المشاكل التي يواجهها أطباء العائلة لدى علاج مرضى السكري هي انخفاض نسبة التزام المريض بالعلاج وخاصة إعطاء الحقن. بعض علاجات السكري هي علاجات بالحقن، وهي أكثر نجاعة من العلاجات الأخرى في معظم الأحيان. رأى الأطباء على مدار السنوات أن المرضى يميلون الى عدم الحصول على عدة حقن حتى أنهم يفوّتون نسبة كبيرة منها. انضم مؤخرًا دواء جديد الى السوق الاسرائيلية من نوع الإنكريتينات على شكل حقن glp-1، ويُدعى الدواء "بيدوريون" ويُعطى عن طريق الحقن مرة واحدة فقط في الأسبوع. هذا الدواء أحدث ثورة في حياة مريض السكري الذي اعتاد على الحقن في كل يوم، بسبب عدم الحاجة الى الحقن يوميًا. كما لا توجد حاجة الى المراقبة اليومي لمستويات السكري والأهم هو تأثير توازن السكر بواسطة تخفيض A1cحتى حوالي 2%. تخفيض مستويات السكر عند الصوم وأيضًا بعد الوجبات من دون زيادة خطر أحداث هيبوغليكيميا إضافية، الدواء يساعد على خسارة حوالي 3-4 كلغ من الوزن بالمعدّل.

النتائج الجيدة لهذا الدواء، بالإضافة الى سهولة استعمالها، تشجّع المرضى الى الحضور الى العيادة وطلب الحصول عليها من أطباء العائلة. التزام المريض بعلاج بيدوريون يؤدي الى نجاح العلاج بنسبة مرتفعة على المدى الطويل وبشكل منتظم مما يزيد من نسبة مرضى السكري من النوع 2 المعتدلين.

كما ذكر أعلاه، العلاجات الجديدة لمرض السكري التي ستُضاف الى مجموعة العلاجات القائمة للمرض تساعد طبيب العائلة الذي يلتقي معظم مرضى السكري على ملاءمة العلاج الأفضل للمريض بحسب وضعه الصحي وأسلوب حياته. العلاجات الجديدة لا تُعالج فقط مستويات السكر بل أيضًا عوامل خطر إضافية أُثبت بأنها تساعد على توازن المرض وتخفيف مخاطر الضرر المستقبلي. العلاجات الجديدة هي أخبار سارة حقيقية للوسط العربي وتسمح بتقليص الارتفاع المقلق في نسبة مرضى السكري في الوسط وتخفيف التعقيدات والوفيات نتيجة مرض السكري.

* الدكتور زهدي إغبارية مختص في السكري الهرموني الباطني وطب العائلة في خدمات الصحة كلاليت في منطقة الضّفّة

 

مقالات متعلقة