الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 19 / أبريل 00:02

النكبة لا زالت/ بقلم: البروفيسور أحمد ناطور

كل العرب
نُشر: 29/04/15 10:11,  حُتلن: 17:30

البروفيسور أحمد ناطور في مقاله:

سياسة هدم البيوت بحجة البناء غير المرخص تعم مَواطن العرب أينما كانوا في طول البلاد وعرضها ولا تستثني اقليمًا أو سياجًا أو حتى قن دجاج

أسباب وخلفيات عدم الترخيص لدى العرب هي ضيق الرقعة المخصصة للبناء من أرضهم وتلكؤ سلطات الترخيص شهورًا وسنوات في اصدار الرخص

هذه الدولة اعتبرت مواطنيها العرب أعداء منذ أوّل يوم في حياتها وأخذت تتعامل معهم وفقًا لذلك ومع أنّ الحكم العسكري قد ألغي بعد حين الا أنّها لا زالت تعتمد المعادلة ذاتها حتّى اليوم

الدولة بكافة مؤسساتها مطالبة بأن تتوقف فورًا عن معاداة مواطنيها وعن التعامل معهم كأعداء يجب محاربتهم ومن ثم إلغاء أوامر الهدم الصادرة بحق هذه البيوت العربيّة واتخاذ قرار عام بترخيصها وربطها بالخدمات العامّة

بلدات وقرى بحالها هدمت عن بكرة أبيها وهُجر أهلها الى ما وراء الغيب، أطفال ونساء ما زالوا منذ ذاك يهيمون على وجوههم في كل حدب وصوب.غصت بهم مخيمات الشتات ثم قامت عليهم، كالقدر. كان هذا هناك عند منتصف القرن الفائت المشؤوم، يوم انتثر الناس في الفضاء كالهباء، يفترشون الشوك ويلتحفون السماء، ومع أنّ هذا كان منذ ستين عامًا ونيف، الا أنّ خراب البيوت لا زال جرحًا نازفًا في القلوب، طالما ظل نهجًا أساسيًا في عرف المؤسسة تجاه أهل البلاد الأصليين.

قيل إنّ 60 ألف بيت عربي مهدد بالهدم، بعد أن جرى الشروع بمعاملة التعاطي معه بصفة البناء غير المرخص. وتفيد الإحصاءات أنّه خلال ثمانية أشهر، منذ سنة 2003 قد جرى هدم 117 بيتًا في النقب، وقدمت لوائح اتهام جنائية ضد 933 صاحب بيت عربي في السنة ذاتها، كما هُدم مئتا بيت سنة 2007 و112 بيتًا من بيوت عرب النقب سنة 2012، وهُدمت بيوت عربية في يافا واللد والرملة.

إنّ سياسة هدم البيوت بحجة البناء غير المرخص تعم مَواطن العرب أينما كانوا في طول البلاد وعرضها ولا تستثني اقليمًا أو سياجًا أو حتى قن دجاج. لقد أصاب هذا الشر عرابة وكفركنا وقلنسوة ووادي عارة والنقب ولا زال. وإن سأل سائل، هل هناك بناء غير مرخص في القطاع اليهودي أم هي آفة عربية؟ نقول: مع أنّ أسبابه وخلفياته مختلفة، الا أنّه حاضر بكثافة أيضًا في الساحة اليهوديّة، فهناك ظاهرة إقامة المجمعات التجارية الواسعة في منطقة الساحل، على أراضٍ زراعيّة كمنطقة كيبوتس شفاييم وغاعش ومستوطنة ريشبون وغيرها كثير، وهذا كله من غير ترخيص. لقد أقيمت هذه المباني الضخمة على أراضٍ زراعية نظرًا لانخفاض أسعارها وتدني نفقاتها مقارنة بالأرض المعدة للبناء.

هذا، ووفقًا لفحص قد جرى سنة 2004، فإنّ هنالك 60 قاعة أفراح يهوديّة أقيمت في المستوطنات المختلفة (الموشفيم) دون ترخيص، و120 حديقة أفراح تعمل بخلاف القانون، منها 80 في مركز البلاد (יפה נקר 2004) وطبيعي أنّ الدولة لم تهدم أيٍّ من هذه القاعات، فعيونها لا تراها، مع أنّ الناس تؤمها بالآلاف كل اسبوع.

أمّا في المستوطنات المنتشرة في الأرض المحتلة، فالبناء بخلاف القانون هو ظاهرة مسيطرة، ليس فقط بسبب غياب الترخيص التخطيطي وإنّما لأنّه بمعظمه مقام على أرضٍ فلسطينيّة خاصة اغتصبها المستوطنون من أصحابها قسرًا. لقد كشف الصحفي اوري بلاو عن تقرير سريّ أعدته أجهزة الأمن حول هذا الموضوع، جاء فيه أنّ ثلاثين مستوطنة قد جرى فيها استيلاء غصبي من قبل مستوطنين على أرض فلسطينيّة خاصة وأقيمت عليها المباني، كما أنّ في 70% من المستوطنات هناك أقيمت مبانٍ غير مرخصة، وكانت جامعة "اريئيل" واحدة من هذه المباني.

وكما نرى، فإنّ أسباب وخلفيات عدم الترخيص لدى العرب هي ضيق الرقعة المخصصة للبناء من أرضهم، وتلكؤ سلطات الترخيص شهورًا وسنوات في اصدار الرخص - وهو ما يضطرهم الى البناء بعد أن قطعوا الأمل فيها، أي أنّ الحال هو الاضطرار – وهو سبب من أسباب اسقاط المسؤوليّة الجنائيّة في القانون، اما الثاني – وهو الحالة اليهوديّة، فاصله جرم محقق، وفي أحسن حالاته هو الطمع والجشع والكسب غير المشروع. مع ذلك، فإنّه يحلو للمؤسّسة الاسرائيليّة دائمًا أن ترى بالعربي متهمًا مهمًا فعل، حتى قال أحد وزراء الإسكان عن العربي الذي يبني بيتًا غير مرخص أنّه يمارس "جهاد البناء".

إنّ نسبة العرب في البلاد تقارب 21% ومع ذلك فإنّ نطاق سلطتهم المحليّة لا يتعدى 2.5% من مساحة الدولة رغم أنّها بلغت تحت الانتداب 64% من الأرض. ومع أنّ تكاثر العرب في البلاد منذ خمسة عقود قد تعدى ستة أضعافه منذ ذاك، إلا أنّ أرض البناء لم تتسع، الأمر الذي أدّى الى اكتظاظ رهيب ارتفعت نسبته بقدر أحد عشر ضعفًا. هذا، وما دامت الخرائط الهيكليّة سلعة نادرة، لا يراها الناس الا في المنام، فلا أمل باتساع رقعة أرض البناء أصلًا.

من ناحية أخرى، فإنّ دائرة الأراضي الرسمية قد خصصت في السنوات 2005-2009 ما مقداره 63% من الأرض لليهود، أمّا للعرب فلم تقم مدينة واحدة عدا ما فعلوه في النقب، لا حبا بأهله العرب، وإنّما لغرض الاستيلاء على أرضهم.

إنّ الغالبيّة العظمى من لجان التنظيم يرأسها يهود، حتى لو كانت عربيّة، كلجنة قلنسوة على سبيل التمثيل فحسب - المسماة شرق الشارون، منذ أن كان لا يرأسها الا يهودي. وقد يكون من مؤشرات سياسة السيطرة أن نذكر أنّ أكثر من ثلاثين مهندسًا وخبيرًا قد شاركوا في إعداد الخارطة الهيكلية القطريّة لمناطق النفوذ المحلي " تاما 35" ولم يكن بينهم سوى عربي واحد.

لقد اعتبرت هذه الدولة مواطنيها العرب أعداء منذ أوّل يوم في حياتها وأخذت تتعامل معهم وفقًا لذلك، ومع أنّ الحكم العسكري قد ألغي بعد حين الا أنّها لا زالت تعتمد المعادلة ذاتها حتّى اليوم، وهكذا يصبح بناء العرب في نظر الوزير جهادًا ومشاركة العرب في التصويت عملًا رهيبًا يستدعي من اليهود النفير.

لقد ضاع الرجاء في المستشار القضائي للحكومة الذي علّق عليه نواب المشتركة الآمال في تعليق أوامر الهدم، وقد تذّرع بأنّ القانون ينبغي أن يطبق على الناس بالتساوي، وهو عذر أقبح من ذنب أو هو قول حق يراد به باطل. ترى أين المساواة في حقوق البناء وتخصيص الأرض وإقامة المدن الجديدة وقروض الإسكان أولًا؟ لقد صح في هذا المنطق قول الشاعر:

ألقاه في أليم مكتوفًا وقال له إيّاك إيّاك أن تبتل بالماء


إنّ الدولة بكافة مؤسساتها مطالبة بأن تتوقف فورًا عن معاداة مواطنيها وعن التعامل معهم كأعداء يجب محاربتهم، ومن ثم إلغاء أوامر الهدم الصادرة بحق هذه البيوت العربيّة واتخاذ قرار عام بترخيصها وربطها بالخدمات العامّة. ينبغي لها المصادقة على خرائط هيكليّة للقرى والمدن العربيّة الآن ودونما إبطاء. إنّ الدولة مطالبة بإلغاء لجان القبول العنصريّة المنصوبة في كل قرية يهودية كحاجز مرور على بواباتها يحول دون قبول الأسر العربيّة للسكن فيها، إلى جانب ضرورة إجراء تحقيق شامل في عمل لجان التخطيط وتعريبها. أمّا دائرة الأراضي فهي مطالبة بوقف التمييز ضد العرب وتوزيع الأرض عليهم بالحق، فالحق أحق أن يتبع.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر . لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة