الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 28 / مارس 20:02

علمُ الدّينِ حياةُ الإسلام / بقلم: الشيخ زيدان عابد

كل العرب
نُشر: 13/12/12 18:02


.إنَّ الحمْدَ للهِ نحمَدُهُ ونستَعيِنُهُ ونستَهْدِيِهِ ونَشْكُرُهُ ونَستغْفِرُهُ ونَتوبُ إليهِ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفُسِنا ومِنْ سَيّئاتِ أعْمالِنا، مَنْ يَهدِ اللهُ فَلا مُضِلِّ لهُ ومَنْ يُضْلِلْ فلا هَاديَ لَهُ. الحمدُ لله الذي علَّمَ الإنسانَ مالم يَعلَم وشَرَعَ للخلق الدّين وقَيَّضَ لهذا الدين فقهاءَ وجعلهم ورثَةَ الأنبياء فنفَعَ بهم خلقًا وحَرَمَ ءاخَرين. وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريك له ولا مثيل له ولا ضِدَّ ولا نِدَّ له، ولا شكل ولا صورة ولا أعضاءَ له، ولا حيز ولا جهة ولا مكان له، جلّ ربي لا يشبه شيئًا ولا يشبهه شىء ولايحل في شىء ولا ينحل منه شىء، ليس كمثله شىء وهو السميع البصير، وأشهدُ أنَّ سَيّدَنا وحَبيبَنا وعَظيمَنَا وقَائدَنا وقُرَّةَ أعيُنِنا محمَّدًا عَبدُ اللهِ ورَسولُهُ و صَفِيُّهُ وحَبيبُهُ، بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه الله عنا خير ماجزى نبيًّا من أنبيائه، اللهمّ صَلِّ وسَلّمْ وبارِكْ وأكرِم وأنعِم عَلى سَيّدِنا محمّدٍ معلّم الخيرِ وعلى ءاله وأصحابه الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


ايها الاخوه الاعزاء كنا قد تحدثنا في الاسبوع الماضي عن فضل العلم والعلماء وكلامنا اليوم إن شاء الله تعالى عن طلب العلم وكيفيته فإنّ اللهَ ما أمر نبيَّه في القرءان بطلب الازدياد من شىء إلا من العلم فقال ربُّنا تبارك وتعالى * وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا * ( سورة طه ءاية 114 ) وقال تبارك وتعالى * وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ * (سورة التوبة ءاية 122) فجعلَهُم اللهُ فِرقَتَينِ فرقةً تحرُسُ بيضَةَ الإسلامِ أي جماعَتَهُم وفرقةً تحفَظُ شريعَةَ الإيمان وهم الفقهاء.


وقد روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ خَرَجَ في طلَبِ العِلمِ فهو في سبيلِ الله حتّى يرجِع. أي أنَّ ثوابَهُ يُشبِهُ ثواب الخارج للجهاد في سبيل الله وذلك لأنّ علم الدين سلاحٌ يُدافِعُ به المؤمنُ الشيطان ويُدافِعُ به شياطين الإنس ويُدافِعُ به نفسَه التي بينَ جنبَيه وهواه ويُمَيّزُ به ماينفعُهُ في الآخِرَةِ وما يَضُرُّهُ ويُميّز العمل المَرضِيّ عند الله والعمل الذي يَسخَطُ اللهُ على فاعِلِهِ. بعلم الدّين أخي المسلم تميّزُ الكفرَ من الإيمان... تُـمَيّزُ التوحيد من الإشراك.. تـُمـَيّزُ التنزّيه من التشبيه... بعِلمِ الدّين تعرفُ أن الله لا يشبه شيئًا مِن خلقهِ ولا يُشبِهُهُ شىء ليس جسمًا كثيفًا كالإنسان وليس جسمًا لطيفًا كالنور.... بعلم الدّين تعرف أن الله تعالى موجودٌ لا كالموجودات.. موجود بلا مكان ولا جهة... بعِلمِ الدّين تعرف ماذا تقول ولماذا تقول وتعرف متى تسكت ولماذا تسكت... بعلم الدّين تُـمَيّزُ الحلالَ من الحرام والحقَّ من الباطل والحسنَ من القبيح فعلم الدين هو حياة الإسلام فينبغي عليك الاهتمام به تعلّمًا وتعليمًا فإنّ أفضلَ ما تُنفَقُ فيه نفائس الأوقات طلبُ العلم، كيفَ لا وقد أخبر النبيّ عليه الصلاة والسلام أنَّ الملائكةَ تضَعُ أجنحَتها لطالِبِ العلم تواضُعًا له ورِضًا بـما يصنع ... كيف لا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه " يا أبا ذرّ لأن تغدُوَ فتتَعَلَّمَ ءايةً مِن كتاب الله خيرٌ لك من أن تُصلّيَ مائةَ ركعة ولأن تغدوَ فتتَعلَّمَ بابًا من العلم خيرٌ لك من أن تصلّيَ ألف ركعة " أي من نوافل الصلوات.
 

فإن لم تكن أخي المسلم مِن أهلِ الهِمّةِ فلا تُغفِلَنَّ تَعلُّمَ ما أوجب الله عليك تعلُّمَهُ فإنَّ مِن عِلمِ الدّينِ قَدْرًا يجب على كل بالِغٍ عاقِلٍ تعلُّمهُ فقد روى البيهقيُّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال" طَلَبُ العِلمِ فريضَةٌ على كلّ مُسلِمٍ " ويشمل هذا القدرُ علمَ التوحيد وما يكون العامل به مؤمِنًا فهو فريضةٌ على كل مسلم ولا يسعُ أحدًا جهلُهُ فإنَّ وجوبَهُ على العموم وليس مقصوراً على العلماء، ويشملُ هذا القدرُ مِن علمِ الدّينِ أيضًا ما قاله ابن المبارك حين سئل عمّا يـجب على الناس من تعلُّمِ العِلم فأجابَ بأنْ لا يُقدِمَ الرجلُ على الشىءِ إلاّ بعلم يسألُ ويتعلَّم فهذا الذي يجب على الناس من تعلُّمِ العلمِ -وقال أحمد بن حنبلِ يجبُ على الرجل أن يطلبَ من العلم ما يُقيمُ ب ه الصلاةَ وأمرَ دينِهِ من الصومِ والزكاةِ إن وجبت عليه وذَكَرَ شرائعَ الإسلام قال ينبغي له أن يعلَمَ ذلك وقال غيره من حُفَّاظِ الحديث كلُّ مسلمٍ بالِغٍ عاقِلٍ مِن ذكَرٍ وأنثى وحُرّ وعبدٍ تلزمُهُ الطهارة والصلاة والصيام فرضًا فيجبُ على كل مسلم تعرُّفُ علم ذلك. وهكذا يجب على كل مسلم أن يعرف ما يـحِلُّ له وما يحرُمُ عليه من المآكِلِ والمشارِبِ والملابِسِ والفُرُوجِ والدماءِ والأموالِ فجميع هذا لا يسعُ أحداً جهلُهُ وفَرْضٌ عليهم أن يأخذوا في تعلُّمِ ذلك. فكن أخي المسلم عالِمًا أو متعلّمًا ولا تكن غيرَ أحدِ هذين فقد قال عليُّ بن أبي طالِبٍ رضي اللهُ عنه لكُمَيِلِ بنِ زيادٍ : " احْفَظْ ما أقولُ لك، القلوبُ أوعِيَةٌ خيرُها أوْعاها، الناسُ ثلاثةٌ فعالِـمٌ ربّانيٌّ ومُتَعلّمٌ على سبيل نجاةٍ وهَمَجٌ رَعاعٌ أتباعُ كُلّ ناعِقٍ يَمِيلُونَ معَ كلّ ريحٍ لم يستَضيئوا بنور العِلمِ".


وانتَبِهْ معي جيّدًا يا أخي العزيز أنْ ليسَ المرءُ يولَدُ عالِمًا فلا بد مِن طلَبِ العِلم كما قال عليه الصلاة والسلام " إنما العِلمُ بالتعلُّمِ " وطلب العلم إنـما يكون بالتلقّي من عالمٍ ثِقَةٍ عالِـمٍ بما يُلقِي ممّا أخذَه وتلقّاه عن الثّقاتِ وهكذا بالتسلسُلِ إلى صحابةِ رسولِ الله الذين تلَقَّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فدينُنا مُتَّصِلٌ وليس هو فِكرَةً يَفتَكِرُها الشخص فكم مِن أناسٍ تَزَيَّوا بِزِيّ أهل العلمِ وأوْهَموا الناس أنهم علماء اتّبَعوا أهواءهم وما زَيَّنَ لهم الشيطانُ فقالوا في الدينِ بآرائهم فضَلُّوا أنفُسُهُم وأضَلُّوا غيرَهم, فمِنهم مَن قرأ ءايةً في كتابِ الله ففهِمَها على غيرِ وجهِها وزِيَّنَ له الشيطانُ فاعتقَدَ ما يُناقِضُ ءاية أخرى وكذّبَ القرءان وهو لا يَدري، ومنهم من لم يُعجِبْهُ حُكْمُ الله فحَرَّفَ الحُكمَ ليُوافِقَ هواه أو لِيُداهِنَ غيرَه فزلَّ وغوى والعياذُ بالله تعالى، فالحذَرَ الحذَرَ إخوة الإيـمان مِن مِثلِ هؤلاء وأخذِ أمورِ الدين منهم فإنَّ ذلك هلاكٌ مُبينٌ ولا يغرنَّكَ ظهورهم على شاشة تلفزيون أو تكلمهم في مجمع من المجامِعِ، لا تأخذ أمور دينك إلا ممن تعلم أنه تلقّى العلم من عالم ثقة وهو من عالم ثقة وهو من عالم ثقة وهكذا بإسنادٍ متصلٍ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الحافظ النوويّ رحمه الله : لا يـجوز استفتاءُ غيرِ العالِـمِ ا لثقَةِ.


فطلبُ العلمِ إخوتي في الله ليس بقراءة الكتُبِ مِن غيرِ تلقّ على أهل المعرفة فقد حَذَّرَ السلَفُ مِن مجرّد أخذ العلم من الكتب من غير تلقّ من عالم ثقة وحذّروا من أخذ العلم ممن هذا حالُه فقالوا " لا تقرؤوا القرءان على الـمُصْحَفِيّينَ ولا تأخذوا العلم مِنَ الصُّحُفِيّينَ ( وهم الذي يأخذون العلم من الصُّحُفِ أي الكتب من غير تلقّ على معلّم وأما الـمـُصْحَفِيّون فهم الذين يقرؤون القرءان من غير تلقّ من قارئ يتصل سنده بالقراءة إلى رسول الله ) فأشفِقْ على ديِنك أخي العزيز واعلم أن هذا العِلمَ دينٌ فانظُرْ عمِّنْ تأخُذُ دينَكَ كما قال ابن سيرينَ رحمه الله، فافهم هذا أخي العزيز ولا تُهلِك نفسك واطلُبِ العلم مِن أهلِهِ واصبِرْ عليه وإيّاكَ ومُدّعِي العلمِ زورًا لعَلَّ اللهَ يُهيّئ لك مِن أمرِكَ رشَدًا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى سائر الانبياء والمرسلين.

الشيخ زيدان عابد – امام وخطيب مسجد الصديق – الناصرة

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجي إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع علي العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة