الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 18 / أبريل 12:01

الربّان الصغير قصة رائعة لأطفال موقع العرب.نت

أماني حصادية- مراسلة
نُشر: 06/04/11 11:58,  حُتلن: 12:00

 خالدٌ فتى في الخامسة عشرة من عمره، وله أختان: ماجدة في العاشرة، ورانيا في الخامسة. ووالدهم أستاذ في الجامعة، والوالدة ربّة بيتٍ ممتازة.
قضى خالد ورانيا الأسابيع الأخيرة يدرسان بجدٍ ونشاطٍ حتّى ينجحا بتفوقٍ آخر العام، وهُما الآن ينتظران النّتيجة التي يستحقّان.
كانت الأسرة تتأهّب لتناول طعام الغداء لدى وصول الوالد. ولمّا وصل، أخبرهم بفرحٍ بأنّ الجامعة وافقت على مشروعه الذي تقدّم به لدراسة الأحياء البحرية في شواطئ بلاده وأنّها وضعت في تصرّفه زورقًا خاصًا للأبحاث.
فقالت الوالدة: يبدو أنّك نسيت أنّنا وعدنا الأولاد بعطلةٍ جميلةٍ!
فقال: لم أنس أبدًا. وسنقضي العطلة على متن هذا الزورق. فهو زورق كبير وحديث، وفيه كلّ وسائل الرّاحة. وبذلك نجمع بين المتعة والعمل.
سألت رانيا: هل ستسمح لنا بالسّباحة ونحن على متن الزّورق؟
فأجابها الأب: طبعًا، عندما نتوقّف يمكنكم جميعًا أن تفعلوا ما تشاؤون.. يمكنكم أن تسبحوا وأن تصطادوا السّمك، وغير ذلك..



وسأل خالد: وماذا سأفعل يا أبي أثناء الرّحلة؟ كنت أعتقد أننا سنقضي العطلة على شاطئ البحر، حيث مجال التّسلية أكبر.. أمّا على ظهر الزورق، فماذا يمكنني أن أفعل؟ سيكون الأمر مملاً بالنّسبة لي.
فأجاب الأب: أنتَ مخطئ تمامًا يا عزيزي.. أنا أضمن لك أنّك ستكون مشغولاً دومًا أثناء الرحلة، ولن تشعر بأيّ مللٍ، لأنّي بحاجةٍ إليك أثناء قيامي بأبحاثي. ستُساعدني أثناء الغوص وفي قيادة الزورق. وعندما لا يكون لديك أيّ عملٍ آخر، يمكنك أن تستمع إلى الموسيقى. خذ معك جهاز التّسجيل وكل الأشرطة التي تحب الإستماع إليها. ما رأيك الآن؟
حسنًا.. وهل ستعلّمني قيادة الزورق؟ وهل ستسمح لي بقيادته بنفسي؟
قبل أن تتمكّن من قيادته يجب أن تعرف كلّ شيء عن الأجهزة الإلكترونية التي تساعد على الملاحة. إنّه زورق كبير وحديث، وقيادته ليست سهلة كما تتصوّر.
فصاح خالد مسرورًا: عظيم، عظيم،.. شكرًا يا أبي.. أعدك أن أكون مُطيعًا، وأنفّذ كل ما تقوله لي.
أتمّت الأسرة استعدادها، وانطلقت في اليوم المُعيّن على متن الزورق المُتّجه نحو وسط البحر. وكان الطقس صافيًا والبحر هادئ الموج.
وقف الأب في داخل غرفة القيادة ممسكًا بالدّفة وبجانبه خالد، يتطلّعان إلى الأفق أمامهما.. هذه هي أول مرةٍ يرى فيها خالد غرفة الرّبان.. إنها تشبه غرفة قيادة الطائرة التي رآها في سفره، فيها أجهزة وساعات وأزرار في كلّ مكانٍ.
ضغط الأب أحد الأزرار، تاركًا عجلة القيادة، فسأله خالد: ألا يجدر بك يا أبي أن تمسك عجلة القيادة؟ ربّما شَرَد الزورق عن مساره.
ضحك الأب وقال: لا تخف. إنّ الزر الذي ضغطتُ عليه يجعل الزّورق يسير بطريقةٍ مُستقيمةٍ من غير حاجةٍ لإمساك عجلة القيادة.
فقال خالد: لكنّه ربّما صَادَفَت الزورق عقبة في طريقه.. صخرة أو سفينة.. ماذا سيحدث عندئذٍ؟
أطلّ الأب من نافذة الغرفة مُشيرًا إلى الأعلى، وقال: انظر إلى أعلى السّارية، هل ترى هذا الجهاز الذي يسير ببطء؟ إنّه العين الساهرة التي تنبّه إلى كل العوائق التي تعترض سير الزورق. إنّه جهاز الرّادار الذي يدور فاحصًا في كلّ الإتّجاهات، وعندما يعثر على أيّة عقبةٍ، فإنّه ينبهني إلى ذلك قبل أن نصل إليها.. إذ يطلق جرسًا صغيرًا ينبهني إلى وجود عائق أمامي، وعندها أتدخل وأغيّر سير الزّورق.. مسألة سهلة كما ت‍‍‍‍‍‍‍رى.
قال خالد: كلّ المسائل الصعبة تصبح سهلةً عندما يتدخّل العِلم.. أليس كذلك؟
بالتّأكيد.. في الماضي كانت المراكب مثل صناديق عائمة لا تتحرّك إلاّ بقوة الإنسان. أمّا الآن فالعمل لا يحتاج إلا لمراقبةٍ بسيطةٍ، والآلات تتكفّل بالباقي.
أوقف الوالد الزورق، وبدأت رانيا بإخراج صنّارتها لتصطاد.. وجلس يتحدّث إلى أفراد الأسرة وقال: سنتّجه إلى جزيرةٍ صغيرةٍ تبعد من هنا حوالى أربع ساعات.. وهي جزيرة مهجورة، لكن الأحياء البحرية تعيش حولها بكثرةٍ. وسأقوم بدراسة هذه الأحياء وأعطي شرحًا مُفصّلاً لطريقة حياتها وتكاثرها. فسألته ابنته الكبرى ماجدة: ما الفائدة من دراسة الأحياء البحرية الموجودة في هذه الشواطئ؟
فأجابها: إنّ هذه الدراسة ستكون ذات فائدة كبيرة لكلّ المُجتمع.. وأيّ بحثٍ علميٍ، مهما كان نوعه له فائدة، إن لم يكن اليوم ففي المُستقبل. وعندما كان عالم الفيزياء المعروف "أينشتاين" يقوم بأبحاثه المضنيّة على أجزاء المادة والذّرة وطريقة تركيبها، لم يكن أحد يعلم أنّ هذه الأبحاث ستكون ذات فائدةٍ، إلاّ العلماء الذين يريدون التّعمق في دراسة المادة والفيزياء. وقد أفادت أبحاث أينشتاين العالم فائدةً عظيمةً، لم يكن أحد يتصوّرها، وهي الطاقة الذّرية. فهناك اليوم مصانع ضخمة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الذرية، ومحطات لتوليد الكهرباء تعمل بالطاقة الذرية، وسفن ضخمة تسير بقوة الطاقة الذرية. والأبحاث التي أقوم بها الآن ستفيد الصّيادين لأنها ترشدهم إلى أماكن تجمّع الأسماك والمواسم الأفضل لصيدها وطريقة تنقلها، كما إنّها ستعلّمنا الطريقة الأفضل للمحافظة على هذه الثروة السمكية.
قالت رانيا الصّغرى: أشكرك يا أبي على هذه المعلومات.. وأفتخر بأبي الذّي يقوم بعملٍ عظيمٍ لخدمة المجتمع.
عاد الزّورق إلى المسير، وتبع خالد أباه إلى غرفة القيادة. إنّه يحب البحر، وطالما حلم أن يصبح ربانًا عظيمًا، يقود أضخم السّفن مُتنقلاً من ميناءٍ إلى ميناء. ووقف بجانب أبيه يراقبه وهو ممسك بعجلة القيادة وقال: أبي.. هل قيادة السّفن أمر صعب؟
هذا يتعلّق بنوع السّفينة التي تقودها. وبدأ يطلعه على كيفية تشغيل المُحرّك، وجهاز التّحكم بالسرعة، ومهمّة عجلة القيادة، وأراه البوصلة الإلكترونية، ولوحة الرّادار، وجهاز "السّونار" وجهاز اللاّسلكي، وهي أهم الأجهزة الموجودة في غرفة القيادة.
فسأله خالد عن مهمّة جهاز "السونار".
فقال الوالد: إنّ مهمة جهاز السّونار تشبه مهمّة جهاز الرادار تمامًا، مع فارقٍ بسيطٍ، وهو أنّ الرادار يُستعمَل في الهواء، وأمّا السونار فينحصر عمله في أعماق المياه، أيّ إنّه يحدّد وجود الأشياء التي لا يمكن رؤيتها في المياه، وهو جهاز ذو فاعلية كبيرة.
وطلب خالد إلى والده أن يحدثه عن السّفن القديمة التي استعملها الإنسان. فقال الأب: لقد مارس الإنسان التّنقل فوق الماء منذ عشرات الألوف من السّنين. ففي البداية -أي عندما كان الإنسان بدائيًا يعيش على الفطرة- صنع زورقه من جذع شجرةٍ ضخمٍ، يقطعه نصفين، ثم يجوّف النصف بأدواته البدائية حتى يصبح على شكل زورقٍ صغيرٍ. وكان يتنقل بواسطته في الأنهار والبحيرات المُجاورة لمسكنه. وقد علّمته التجربة والملاحظة أنّ الخشب يطفو على وجه الماء ولا يغرَق.
ومع تطوّر الإنسان، تعلّم أن يصنع زوارق أفضل وأكبر، إلى أن تمكّن من صناعة السفن الضخمة، وكان يصنعها كلّها من الأخشاب. وبالتّجربة والملاحظة، تعلّم الإنسان أنّ بإمكان الريح أن تساعده، ولذلك صنع السّفن ذات الأشرعة.
سأل الولد، قبل أن يعرف فائدة الأشرعة: كيف كانت السّفن تسير؟
أجاب الوالد: كان الإنسان قبل ذلك يسيّر زورقه بواسطة التّجذيف، وإذا كان الزورق صغيرًا، اكتفى بالتّجذيف بنفسه، أما إذا كانت سفينة ضخمة، فكان يعتمد على بحّارة مُكلّفين بالتجذيف، يجلسون في كل جانب صف، وهم يجذفون على قرع الطّبول المُنتظم. وفي ما بعد استُعمِلَت الطّريقتان: طريقة التجذيف والأشرعة معًا، وخاصةً في السّفن الحربية التي كان عليها أن تسير بسرعةٍ كبيرةٍ.
ما التطور الذي حصل بعد ذلك على صناعة السفن؟، سأل خالد.
إنّ التطور الأكثر أهمية الذي طرأ على صناعة السّفن، كان اختراع المُحرّك البخاري الذي بإمكانه أن يقوم بمهمة التّجذيف ودفع السفينة والرياح بطريقةٍ أفضل وأكفَأ. وصارت السّفن تُصنَع من المعادن بدلاً من الخشب السريع العطب، وزُوّدت بالمحرّكات البخارية بدلاً من الأشرعة. ثم حلّ محرّك الإحتراق الدّاخلي و"الدّيزل" محل المحرّك البخاري الذي كان يعمل على الفحم. وشيئًا فشيئًا صارت السفينة أكبر حجمًا، وأكثر قوةً، ويمكنها أن تحمل مئات الألوف من أطنان البضائع، وتنقلها بين المرافئ والبحار.
أَيَعني أنّه يجب أن تكون هذه السّفن كبيرة جدًا، بحجم المدن، لكي تتمكّن من حمل هذه الأثقال الضّخمة‍؟، سأل خالد.
هذا صحيح، فعلاً هي ضخمة جدًا، وأضخم السّفن في عصرنا الحاضر هي السّفن الحربية، وبخاصةٍ حاملات الطّائرات التي يمكن تشبيهها بالمدن العائمة. فهي تحتوي على مدرجٍ لهبوط الطائرات وإقلاعها، وفيها ما لا يقلّ عن ثمانية طوابق، وفيها ملاعب رياضية، وصالات تسلية، وسينما. ويمكن للواحدة منها أن تحمل أربعين طائرة وثلاثة ألاف رجلٍ على الأقل.
هذا غير معقول يا أب‍ي!! كم يجب أن تكون قوّة المحرّكات التي تسيّر مثل هذه السّفن؟ هل هي محركات بخارية أم محركات تعمل بالنّفط؟
إنّها تعمل بواسطة محرّكات الدّيزل، وبعضها ممّا صُنِعَ حديثًا، يعمل بالطّاقة الذرية.
وبعد وقتٍِ قصيرٍ، وصل الزّورق جزيرةً صغيرةً، وقرّر الأب أن تخيّم الأسرة على شاطئها الهادئ. لكن سؤالاً كان يُحيّر خالدًا وهو: عندما يصبح الإنسان وسط البحر، وتضيع كل المعالم المُحيطة به، ولا يجد حوله سوى المياه، كيف يمكن للربان أن يعرف الإتّجاه الصحيح الذي يجب أن يسير به؟
فأجابه والده: في الماضي، كانت البوصلة هي الجهاز الوحيد الذي يعتمد الربان عليه في تحديد الإتّجاه. والبوصلة، كما تعلم، تشير دومًا إلى جهة الشمال، مهما كان وضعها. فإذا كان المرفأ المتوجّه إليه يوجد في الشّرق مثلاً، فإنه يستطيع فورًا أن يستنتج جهة الشرق. ولا شك أنّك تعرف أنّنا عندما نتّجه بوجهنا إلى ناحية الشّمال، فإن الشّرق يكون عن يميننا، والغرب عن يسارنا والجنوب وراءنا. وكان الرّبان يستعين بالنّجوم في اللّيالي الصافية ليهتدي إلى طريقه، كما كان يستعمل بعض الأدوات الفَلَكية البدائية مثل "الأسطرلاب" أو غيره.. أمّا اليوم، فالأمر مُختلف تمامًا.. إذ أصبح من الضروري أن يعرف الرّبان استعمال الأجهزة الإلكترونية الحديثة التي تساعده في عمله، ويتعلّم طريقة عملها، بالإضافة إلى العلوم البحرية الأخرى المتعلّقة بأحوال الطقس والفلك وقوانين البحار.
ماذا تقصد بقوانين البحار يا أبي؟ أعطني مثالاً منها.
مِن قوانين البحار الطّريفة أنّ الذي يجد سفينةً مهجورةً في وسط البحر وخارج المياه الإقليمية، يصبح نصفها بكلّ ما تحويه من حمولةٍ ملكًا له!
وما معنى المياه الإقليمية؟
أنتَ تعرف أن لكلّ دولةٍ من الدّول حدودًا برّيةً تفصل بينها وبين الدّول الأخرى المجاورة لها، فإذا كان لهذه الدّول شواطئ بحرية، فإن حدودها لا تنتهي عند شواطئها، بل تمتدّ إلى البحر مسافةً معيّنةً، وهذه المسافة يحددها القانون الدّولي للبحار.. ولذلك فإنّ كلّ سفينة توجد داخل الشواطئ الإقليمية لأيّة دولةٍ تسري عليها قوانين تلك الدولة، أمّا خارج الشواطئ الإقليمية، فلا يسري عليها سوى قانون البحار..
لكن.. أخبرني، مَن يمتلك المياه التي تقع خارج الحدود الإقليمية؟
لا أحد.. ولذلك فإنّ لها قوانين خاصة تختلف عن قوانين اليابسة.
هل هناك أمثلة أخرى من قوانين البحار؟
نعم.. فرُبّان السّفينة يُعتَبر قائدًا عسكريًا يجب على البحّارة التّقيد بكلّ أوامره عندما تكون في أعالي البحار، وبإمكانه أن يأمر بسجن أيّ راكب أو بحّار إذا قام بعملٍ مخالفٍ للقانون إلى أن يصل إلى الميناء فيسلّمه إلى السلطات. وبإمكان الرّبان أيضًا إجراء معاملات الزّواج.
على هذا، لا بد أن يكون الرّبان مُتميّزًا عن غيره.
طبعًا، يجب أن يكون للرّبان صفات قيادية وقدرة على تحمّل المسؤولية..
اقترب الوالد بالزورق من الشاطئ، وأوقفه بعيدًا عند حوالى مئتيّ مترٍ. فسأل خالد: لماذا أوقفت الزّورق بعيدًا يا أبي؟
لن نتمكّن من الإقتراب من الشاطئ أكثر من ذلك، لأنّ المياه أصبحت قليلة العمق، ومليئة بالصخور الناتئة. وإذا تقدّمنا أكثر، فسيصطدم قاع المركب بها.
فسأل خالد مُستغربًا: كيف عرفت ذلك وأنتَ لم تر قاع المياه؟
هذه مهمة جهاز "السّونار".. فهو الذي دلّني على عمق المياه، فعرفتُ أنّها قليلة العمق من دون أن أراها!
انصرف الأب والإبن إلى إنزال الزّورق الصغير ليذهبا لإستكشاف المكان الذي سينصبون فيه خيمتهم، فيما كانت رانيا مصمّمةً على صيد السمك، وأسرعت إلى قصبتها ورمت بها في الماء..
أخذ خالد ووالده يجذفان باتّجاه شاطئ الجزيرة، ولمّا وصلا إليه، بدآ يبحثان عن مكانٍ مُناسبٍ للتّخييم. وفجأة سمع خالد صرخةً ورأى أباه ينحني إلى الأرض متألمًا. فأسرع إليه، وقد أصابه الذّعر...
شاهد أفعى ضخمة تنسلّ مبتعدةً، بينما تكوّر الأب وهو يمسك ساقه اليُمنى ويصرخ من الألم. وقال بكلماتٍ مخنوقةٍ: الأفعى.. لقد لدغتني الأفعى..
تمالك خالد وأسرع، فأخذ مدّية والده وكشف عن السّاق الملدوغة وقال: سأجعل سمّ الأفعى يخرج من الجرح.
وبسرعةٍ أيضًا سحب حزامه الجلدي، ثم ربط رِجل والده الملدوغة فرفعها من ناحية الفخذ، وشدّ جيدًا، ثم شقّ مكان اللّدغة بالسكين وجعل الدّم يسيل بغزارةٍ. وبعد لحظاتٍ، غاب الأب عن الوعي.
لقد طبّق خالد ما تعلّمه في المدرسة.. إنّ سم الأفعى قاتل إذا انتشر في أنحاء الجسم. لذلك يجب شقّ مكان اللّدغة وترك الدم يسيل، آخذًا معه سمّ الأفعى إلى خارج الجسم..
سحب خالد والده بصعوبةٍ إلى الزّورق، وجذف بقوةٍ، عائدًا إلى الزّورق الكبير.
أسرعت الأم والبنتان عندما وصل الزّورق، وتعاون الجميع على نقل الأب إلى السّفينة، وكان عليهم أن يسرعوا في إسعاف الأب الذي كان فاقد الوعي.
وأسرع خالد إلى غرفة القيادة وأدار المحرّكات، فاندفع المركب يشقّ الموج، وكان خائفًا. فهذه أوّل مرةٍ يقف فيها وراء عجلة القيادة، وقلقًا على حياة والده..
وزاد هياج البحر وارتفاع الموج الأمور سوءًا.
كان خالد يتوقّع كل شيءٍ.. إلاّ حدوث العاصفة التي جعلت حياة الأسرة كلّها، وليس حياة أبيه فقط، بين يديها.
تصرّف خالد بشجاعةٍ، حتّى مرّت العاصفة بسلامٍ، فشعر بسعادةٍ، وذهب إلى حيث والده ليطمئنّ إلى وضعه، كانت حرارة الوالد مرتفعةً، وما يزال غائبًا عن الوعي.
وصل خالد بالزورق إلى شاطئ الأمان، وفجأةً سمع هدير محرّكات قويةٍ وشاهد في الظّلام زورقًا آخر يقترب منه.. وأضيء كشّاف ضوئيّ على الزورق الغريب، وسمع صوتًا ينادي من مُكبّر الصّوت يطلب إليه أن يخفّف السرعة.. وعرف أن هذا الزورق تابع لدّورية خفر السّواحل..
أوقف خالد الزورق، واقترب منهم زورق الدّورية، وطلب قائد الدورية إليهم أن يعرّفوا بأنفسهم وماذا يفعلون في هذا الليل.. فأخبره خالد أنّهم ضلّوا الطريق، وأنّ والده مريض وبحاجةٍ إلى إسعاف. ولما سأله القائد عن عمره، عَلِم أنّه كان مضطرًا لقيادة الزورق بسبب اللّدغة التي لدغتها الأفعى لوالده.
قاد أحد رجال الدورية الزورق، فيما اتّصل هو بسيارةٍ للإسعاف تنتظرهم، وانطلق الزّورقان باتّجاه الميناء.

زار خالد والده في المستشفى، وقدّم له باقة وردٍ وحَمَدَ الله على سلامته.
سأله والده: ما رأيك الآن في مهنة البحر؟ هل أعجبتك أيّها الرّبان؟
فضحك خالد وقال ممازحًا: إنّ هذا زورق صغير. انتظروا حتى أكبر وأصبح ربانًا يقود أضخم السّفن!
ابتسم الوالد وقد شعر بسعادةٍ كبيرةٍ، وأوصاه خيرًا بوالدته وأختيه إلى حين خروجه من المستشفى...

مقالات متعلقة